الخشوع
والخضوع في الصلاة هما أساسا القبول، وبدونهما لا يستمتع الإنسان بالصلاة
ولذتها ، وهما ثمره لصلاح القلب واستقامة الجوارح ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة
الله جل وعلا، ومعرفة قدرته وعظمته – سبحانه وتعالى - ومعرفة أوامره
والعمل بها، ومعرفة نواهيه واجتنابها.
عن
الخشوع والخضوع في الصلاة، التقينا الدكتور/ محمد عدنان السَّمان، المدير
التنفيذي لشبكة السنة النبوية وعلومها ، ليدلنا على طرق الحصول على الخشوع
في الصلاة ...
• بداية ، فضيلة الدكتور .. الصلاة وأهميتها في حياة الفرد على المستوى الأخروي والنفسي والأخلاقي ؟
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد :
فإذا كان حوارنا عن الخشوع في الصلاة ، فإن أول الأسباب الداعية للخشوع في
الصلاة ، هو معرفة مكانة الصلاة ، وأهميتها ، فالصلاة عمود الدين ووصية رب
العالمين، ففي أكثر من عشرة مواضع في القرآن الكريم يقول الله سبحانه
وتعالى : ( وأقيموا الصلاة ) ،
والصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام ، ثم من فضلها ومكانتها أن فرضها
الله على رسوله (صلى الله عليه وسلم) من دون واسطة جبريل عليه السلام كسائر
الفرائض ، ففي رحلة المعراج الثابتة في الكتاب والسنة ، وهناك عندما وصل
النبي (صلى الله عليه وسلم) مكاناً لم يصل إليه أحد من العالمين ، فُرضت
الصلاة ، لقد فرضها الله في بادئ الأمر خمسين صلاة ثم خففها بعد مراجعة
النبي (صلى الله عليه وسلم) عدة مرات، فخففت إلى خمس صلوات وبقي أجرها
كخمسين صلاة .
إن الصلاة راحة للنفس وطمأنينة للقلب ، ولهذا كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول لمؤذنه رضي الله عنه : ( قم يا بلال فأرحنا بالصلاة ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم ، فيما صح : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة )
، ولقد كانت من آخر وصايا النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يودع هذه
الحياة ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : كان آخر كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (الصلاة ، الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ) .
• الصلاة في حاجة إلى عوامل وأسباب حتى تؤتي ثمارها المرجوة .. ماذا عن هذه العوامل والأسباب ؟
ليس المقصود من الصلاة أداؤها فحسب ، بل مقصود الشارع الحكيم أعم من ذلك وأشمل، ففي كلام الله عز وجل : ( وأقيموا الصلاة ) وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما عدَّد أركان الإسلام : (وإقام الصلاة)
، وعليه فإقامة الصلاة تشمل القيام بشروطها وأركانها وخشوعها والمحافظة
على أوقاتها ومراعاة سننها وآدابها ، وكلما أتقن المسلم ما سبق كانت صلاته
أقرب إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، القائل (وصلوا كما رأيتموني أصلي
) ، فهذا الاقتداء كما هو شامل لصفة الصلاة الحسية ، فهو شامل أيضاً
للإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في خشوعه وطمأنينته في صلاته .
• إذا اعتبرنا أن الخشوع في الصلاة من أهم الأسباب لحصول الفائدة المرجوة من الصلاة كيف ذلك ؟
نعم،
الخشوع في الصلاة هو لب الصلاة وقلبها النابض ، وبدونه أو بفقد بعضه ، يقل
أجر المصلي، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا المضمون بقوله
في الحديث الصحيح : (إن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها أو سدسها حتى أتى على الصلاة ) ، وفي روايةٍ أخرى (إن الرجل لينصرف ، وما كتب له إلا عشر صلاته ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها) .
قال أهل العلم : والمعنى أن الرجل قد ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا عشر ثوابها أو تسعها أو ثمنها إلخ ..
• وماذا عن أهمية الخشوع في الصلاة ؟ وكيف يشعر الإنسان بالخشوع في الصلاة ؟
تكمن أهمية الخشوع في أنه عبادة جليلة ، وقربة عظيمة ، وصفة من صفات المؤمنين المفلحين ، كما قال تعالى:( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون )
، وهو اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبه يتحقق للمسلم الراحة
والطمأنينة والتفكر والتدبر ، فتسكن نفسه ويخشع فؤداه ويطمئن قلبه وينشرح
صدره ، ويتحقق له من صلاته ، ما أخبر الله عنه : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) .
• وماذا عن الأسباب التي تؤدي للخشوع في الصلاة ؟
الأسباب كثيرة ، لكني سأجعلها مفقطة ، مرتبة ، لكي يسهل العمل بها - إن شاء الله - :
•
أول طريق الخشوع يبدأ من قبل أداء الصلاة، فهذه الرحلة الإيمانية تبدأ من
النداء لها ( الآذان ) فهو يحمل الدعوة للفلاح المنشود (حي على الفلاح) ،
والفلاح يعني سعادة الدارين فيقبل المسلم إلى الصلاة لأنّه لا شيء يوازي
هذا الفلاح.
•
ثم إنّ المرحلة الثانية من مراحل هذه الرحلة المباركة يتمثل في الوضوء
فهذه القطرات التي تتساقط معها الذنوب والسيئات تذكيرٌ آخر بالاستعداد
للصلاة.
•
ثم محرك آخر لهذا الخشوع يتمثل في استشعار الأجر العظيم المتمثل في الذهاب
إلى المسجد، فخطوة ترفع درجة وأخرى تحط خطيئة فكم من الحسنات المكتسبة وكم
من السيئات المكفرة
• ثم تذكر الرحمة التي تسألها ربّك حين تضع أول رجل لك في المسجد وتذكر المغفرة التي تسألها ربّك حين تضع أول رجل في دخولك للمسجد (اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)،نعم لقد دخلت الآن إلى مكان الرحمات والمغفرة والتوبة والأوبة، الملائكة تستقبلك وتستغفر لك، (اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)
تصلي ركعتي المسجد فتزداد قربًا من الله، تأخذ مصحفًا وتفتحه وتقرأ منه
فتزداد قربًا من الله، ترفع يديك وتدعو ربّك، وتتوسل إليه وتتضرع إليه
فتزداد قربًا منه، تذكُر الله وتسبّحه وتستغفره، وتكبره فتزداد قربًا
منه،وهكذا تستعد للخشوع في الصلاة ، بهذه الطمأنينة وذلك القرب من الله .
•
ثم قبل الصلاة يأتي تذكير ثان بـ (حي على الفلاح) عند إقامة الصلاة فتنهض
الهمة قبل القامة ، وهكذا لكي يقبل الإنسان إلى الصلاة وهو في أتم
الاستعداد لها.
•
وهناك يقف المصلون صفًا واحدًا متوجهين لاتجاه واحد إلى القبلة ليعلم
هؤلاء المصلين أنّ قلوبهم ينبغي أن تتجه إلى الله الواحد كما اتجهت أجسامهم
إلى قبلة واحدة.
• ثم ليعلم من يريد الخشوع في صلاته أنّ من أعظم أسباب الخشوع في الصلاة تدبر ألفاظ الصلاة وما يتلى من الآيات، {لَوْ
أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً
مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } الحشر/21
•
ثم إنّ من أعظم أسباب الخشوع استشعار عظمة الله جلاله، فأنت في الصلاة
واقف أمام الله تناجيه وتدعوه، تعبده وتستعين به وتسبحه بـ (سبحان ربي العظيم) في ركوعك فتصفه بالعظمة، و(سبحان ربي الأعلى)
في سجودك، فتصفه بالعلو، فهو سبحانه العلي الأعلى المستوي على عرشه، جل
جلاله، فتفكر أخي الكريم أنّك في هذا الموضع أعني موضع السجود حين تضع
جبهتك على الأرض وتذل نفسك لخالقك أتعلم أن هذا الموضع ـ هو موضع العزة
والارتفاع والقرب ـ وصدق إمام الخاشعين صلى الله عليه وسلم: « أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد».
• وهل من أسباب مانعة وطاردة لحدوث الخشوع في الصلاة ؟
أول
الأسباب المانعة والطاردة للخشوع في الصلاة الانشغال عن غير الصلاة في
الصلاة ، هو أكبر الآفات ، ولهذا كان من علاج هذا الأمر ما هو سبب من أسباب
الخشوع وهو استشعار أن الصلاة تُفتتح بذكر هو من أعظم الأذكار وأجلها ألا
وهو تكبير الله، وكأنّ في هذا تذكير - والله أعلم - أنّ هناك أمرًا ينبغي
أن يعتني به المسلم في صلاته، فتكبيرة الإحرام في افتتاح الصلاة والتكبيرات
الأخرى هذا التكرار لهذا الذكر العظيم (الله أكبر) .. يذكر المصلي أنّ
الله أكبر من كل شيء تلتفت إليه ببدنك، والله أكبر من كل شيء تلتفت إليه
بنظرك، والله أكبر من كل شيء تلتفت إليه بقلبك، وهذه الأشياء التي إذا
التفت إليها الإنسان ألهته عن صلاته والخشوع فيها، وهذا المعنى العظيم
يتكرر فإن غفل الإنسان أو التفت قلبه أو نظره أو جسده تذكر بتكرار هذا
اللفظ العظيم (الله أكبر).
• أخيراً فضيلة الدكتور وصية للأخوة المصلين والقراء الأعزاء ؟
أوصيهم بوصية الله سبحانه : (وَاسْتَعِينُواْ
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى
الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ
وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة:45-46 ، وبوصيته رسوله صلى الله عليه وسلم : (صلِّ صلاة َمودعٍ ، كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه ، فإنه يراك )
وفي
الختام نشكر باسمكم فضيلة الدكتور/ محمد بن عدنان السَّمان، المدير
التنفيذي لشبكة السنة النبوية وعلومها، على هذه الوقفات حول الصلاة ومصادر
الخشوع فيها ، ونسأل الله - عز وجل- أن يوفقنا لحسن طاعته وأن يرزقنا
الهدى والتقى والعفاف والغنى ، وأن يرزقنا الصلاة ذات الخشوع والخضوع ،
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام وسلِّم تسليماً كثيراً .
0 التعليقات:
إرسال تعليق